سورة محمد - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}
{الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبراً لأنّ، كقولك: إنّ زيداً عمرو مرّ به. سوّل لهم: سهل لهم ركوب العظائم، من السول وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً {وأملى لَهُمْ} ومدّ لهم في الآمال والأماني. وقرئ: {وأملى لهم} يعني: إنّ الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم، كقوله تعالى: {إنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ} [آل عمران: 178] وقرئ: {وأملى لهم} على البناء للمفعول، أي: أمهلوا ومدّ في عمرهم. وقرئ: {سوّل لهم}، ومعناه: كيد الشيطان زين لهم على تقدير حذف المضاف.
فإن قلت: من هؤلاء؟ قلت: اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما تبين لهم الهدى، وهو نعته في التوراة. وقيل: هم المنافقون. الذين قالوا: هم اليهود، والذين كرهوا ما نزل الله: المنافقون.
وقيل عكسه، وأنه قول المنافقين لقريظة والنضير: لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم. وقيل: {بَعْضِ الأمر}: التكذيب برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بلا إله إلا الله، أو ترك القتال معه. وقيل: هو قول أحد الفريقين للمشركين: سنطيعكم في التظافر على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد معه. ومعنى: {فِى بَعْضِ الأمر} في بعض ما تأمرون به. أو في بعض الأمر الذي يهمكم {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} وقرئ: {إسرارهم} على المصدر، قالوا ذلك سراً فيما بينهم، فأفشاه الله عليهم. فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذٍ؟ وقرئ: {توفاهم} ويحتمل أن يكون ماضياً، ومضارعاً قد حذفت إحدى تاءيه، كقوله تعالى: {إِنَّ الذين توفاهم الملئكة} [النساء: 97].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يتوفى أحد على معصية الله إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره {ذَلِكَ} إشارة إلى التوفي الموصوف {مَآ أَسْخَطَ الله} من كتمان نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. و{رِضْوَانَهُ}: الإيمان برسول الله.


{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
{أضغانهم} أحقادهم وإخراجها: إبرازها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. وإظهارهم على نفاقهم وعداوتهم لهم، وكانت صدورهم تغلى حنقاً عليهم {لاريناكهم} لعرفناكهم ودللناك عليهم. حتى تعرفهم بأعيانهم لا يخفون عليك {بسيماهم} بعلامتهم: وهو أن يسمهم الله تعالى بعلامة يُعلمون بها.
وعن أنس رضي الله عنه: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من المنافقين: كان يعرفهم بسيماهم، ولقد كنا في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين يشكوهم الناس، فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب: هذا منافق.
فإن قلت: أي فرق بين اللامين في {فَلَعَرَفْتَهُم} و{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ}؟ قلت: الأولى هي الداخلة في جواب (لو) كالتي في {لأريناكهم} كررت في المعطوف، وأما اللام في {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف {فِى لَحْنِ القول} في نحوه وأسلوبه.
وعن ابن عباس: هو قولهم: ما لنا إن أطعنا من الثواب؟ ولا يقولون: ما علينا إن عصينا من العقاب. وقيل: اللحن: أن تلحن بكلامك، أي: تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية. قال:
وَلَقَدْ لَحَنْتُ لَكُم لِكَيْمَا تَفْقَهُوا *** وَاللَّحْنُ يَعْرِفُهُ ذَوُو الأَلْبَابِ
وقيل للمخطئ: لاحن؛ لأنه يعدل بالكلام عن الصواب.


{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)}
{أخباركم} ما يحكى عنكم وما يخبر به عن أعمالكم، ليعلم حسنها من قبيحها؛ لأن الخبر على حسب المخبر عنه: إن حسناً فحسن، وإن قبيحاً فقبيح، وقرأ يعقوب: ونبلو، بسكون الواو على معنى: ونحن نبلو أخباركم. وقرئ: {وليبلونكم ويعلم} ويبلو بالياء.
وعن الفضيل: أنه كان إذا قرأها بكى وقال: اللَّهم لا تبلنا، فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9